top of page
Writer's picture Ali El Zein - علي الزين

ترقيع النقل المشترك: من يعرقل الباصات الفرنسية؟

Updated: Nov 30, 2022

اعتادت قوى الحكم في لبنان التّرقيع والعمل عالـ«قطعة». هي لم تثبت فقط أنها قادرة على التدمير، بل هي فاشلة في الترقيع أيضاً. الشواهد على عجزها هذا تتبدّى يومياً، وأحدثها «الباصات الفرنسية»

قبل عام وشهرين، تسلّم علي حمية وزارة الأشغال العامة والنقل، فيما كان حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة، يُطلق مسار رفع الدعم عن المحروقات، في بلدٍ ليس فيه وسائل نقل عام ويعتمد معظم المقيمين فيه على السيارات الخاصة لتغطية تنقلاتهم. وخلال تواصله مع الفرنسيين، طلب منهم وهب لبنان باصات للنقل المشترك. وافقت فرنسا، ومنحت لبنان في أيار الفائت 50 باصاً ستضاف إلى 45 باصاً مملوكة أصلاً من «مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك». وأُعدّت خطّة لتشغيل هذه الباصات في بيروت الكبرى، وبين بيروت والشمال والجنوب، بالشراكة مع القطاع الخاص. لكن مضت أكثر من خمسة أشهر منذ وصول الباصات إلى مرفأ بيروت، ولم يبدأ تشغيلها بعد. فقد أُغرق المشروع في غياهب «الروتين الإداري». إذ قرّرت إدارات الدولة البحث «في جنس الملائكة» من خلال النظر في مدى خضوع هذه الباصات للرسوم الجمركية ولضريبة القيمة المضافة، رغم أنها هبة يفترض أن تكون معفاة. استغرق النقاش حتى نهاية أيلول الفائت ورسا «الجدل البيزنطي» على أنها معفاة. لكن الفرحة لم تدم، إذ تبيّن أن تسجيل الباصات يتطلب تأميناً إلزامياً ليس لدى «مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك» القدرة على سداد ثمنه. وهو ما استدعى الحصول على هبة عينية عبارة عن خمسين بوليصة تأمين إلزامي. وعندما تأمّنت الباصات، عُلّقت عملية التسجيل في «النافعة» بسبب إضراب موظفيها والتحقيقات الجارية فيها، على خلفية قضايا فساد، والتوقيفات التي طالت في المباشر «مصلحة تسجيل السيّارات والآليّات». استدعى ذلك اتصال حمية بوزير الداخلية والبلديات، بسام مولوي، لتذليل العقدة التي تحول دون تسجيل الباصات. لكن تسجيلها ليس نهاية المطاف، فـ«مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك» لا قدرة لها على تشغيلها. هي بحاجة إلى عدد سائقين ليس في ملاكها. وبما أن التوظيف في القطاع العام ممنوع حتى إشعار آخر، وبما أن مجلس الوزراء أجازَ للوزارة القيام بما يلزم لتشغيل المشروع، كان الحل بالاستعانة بالقطاع الخاص لتأمين اليد العاملة اللازمة للمشروع. أُطلقت المناقصة الأولى؛ لم يأتِ أحد. أُطلقت مناقصة ثانية؛ وأيضاً لم يتقدم أي عارض.


في الواقع، إن إدارات الدولة عاجزة منذ بدء الانهيار في عام 2019 عن شراء حتى «ماعون ورق»، بسبب اللااستقرار في سعر صرف الليرة مقابل الدولار. المعادلة كالآتي: تدفع الدولة بالعملة الوطنية، وتحت سقف الاعتمادات المرصودة، أمّا المُشتريات فجميعها بالدولار. إذاً، الحل بانتظام سعر الصرف، ورصد الاعتمادات المالية، التي طلبتها المصلحة من وزارة المالية، ولم تأتِ الموافقة عليها، وفق المدير العام لـ«مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك»، زياد نصر. بمعنى أوضح، بدون تلك الاعتمادات، التي عليها تغطية كلفة المحروقات، وقطع الغيار؛ من زيوت وبطاريات وفرامل، إضافةً إلى السائقين: لن تتحرك الباصات من مكانها. فليس لدى المصلحة ما يكفي لثمنِ حتى عقود التأمين الإلزامي لباصاتها. وإن أرادت الاعتماد على من هم في ملاكها لقيادة الباصات، فبعيداً من عدم كفاية عددهم لجميعها، أعمار بعضهم قاربت سن التقاعد، علماً بأن سائقي المصلحة كانوا قد أبدوا «رغم تدني رواتبهم، استعدادهم لتسيير الباصات ضمن بيروت الكبرى»، وفق حمية. وهو كان قبل أقلّ من شهرين قد نبّه إلى أن «استمرار ارتفاع أسعار المحروقات اللازمة لتسيير الباصات ربما يؤدي إلى فرملة وضعها في السير في حال عدم تأمين المحروقات اللازمة لها». بالنسبة إلى الباحث في مجال النقل، في جامعة «ليون» الفرنسية، علي الزين، كل ما يجري هو «ترقيع بترقيع»، والسبب هو سياسي، لا تقني ولا مالي. يضرب الزين مثلاً على أنه ليس هناك نية لدى القوى السياسية لإنشاء نقل مشترك: قرض الـ 295 مليون دولار الذي وافق عليه «البنك الدولي» لمصلحة النقل العام في لبنان، وأُقرّ في مجلس النواب في عام 2019. ثلاث سنوات لم تضرب الدولة مسماراً، حتى جمّد البنك القرض، في العام الجاري («الأخبار»، 4 نيسان 2022). ويستغرب كيف طلبت الدولة من فرنسا 1000 باصٍ، وهي عاجزة منذ ستة أشهر عن تشغيل 50 باصاً! بالنسبة إليه، تقدر الدولة، لو وُجدت الإرادة السياسة، على تأمين عوامل النجاح لمشروع الباصات، بقدراتها الذاتية. ويرى أن من الممكن تحويله إلى نموذج يُبنى عليه، أمام «البنك الدولي» والمانحين، لتأمين التمويل اللازم لتطوير النقل العام في لبنان. استشاري النقل، رامي سمعان، يقرُّ بـ«صعوبة» الوضع الراهن، لكنه يلفت إلى المعارضة التي «حُوربت» بها مشاريع النقل المشترك، طوال العقود الثلاثة الفائتة، ويرى أن رفع الدعم عن المحروقات كان يمكن أن يكون وقعُه أقلّ على اللبنانيين والمقيمين لو كان هناك اليوم شبكة نقل عام في لبنان. بين عامَي 1992 و2018، رُصد نحو 2.63 مليار دولار لتطوير النقل العام، من دون نتيجة. إذ أُنجزت دراسات وخطط لتفعيله وإنشاء خطوط «ميترو» و«ترامواي»، ولم تنفذ. واتُّخذت قرارات لشراء باصات للنقل المشترك، لكنها أُجهضت بتحريض من القطاع الخاص.

3 views0 comments

Comentarios


bottom of page