مقابلة مع جريدة نداء الوطن : 16/01/2023
يتكبّد اللبنانيون خسائر بمليارات الليرات سنوياً، جراء حوادث السير التي لا تزال وتيرة حصولها مرتفعة. علما أنها تراجعت في السنوات الثلاث الاخيرة، مقارنة مع سنوات ما قبل الازمة، بسبب عوامل متعددة منها إرتفاع أسعار المحروقات، وفترات الحجر التي فرضتها جائحة «كوفيد». لكن لا تملك أي جهة رسمية أو شركات التأمين رقماً دقيقاً عن هذه الخسائر منذ بداية الازمة، بسبب الأسعار المتعددة لدولار السوق السوداء وما ينتج عنه من «فروقات» يدفعها اللبناني من جيبه. مع الاشارة إلى أن شركات التأمين،لا تزال تقدم كشوفاتها إلى المؤسسات الرسمية وفقاً لسعر دولار 1500 ليرة. في حين أنها تتقاضى من زبائنها «الدولار الفريش»، لتغطية بوليصة التأمين سواء للإستشفاء أو إصلاح الاعطال. لكن يمكن رسم مشهدية تقريبية عن هذه الخسائر من خلال عدة معطيات، أولها عدد الوفيات الذي يعني خسارة الدورة الاقتصادية للطاقات الشابة أو ما يسمى الربح الفائت. لأن أعمار الضحايا غالباً ما تتراوح بين 15 و 34 عاماً ومتوسط عددهم هو 500 ضحية خلال العام. وثانيها الخسائر المادية التي يمكن إستشرافها من خلال كلفة التأمين على الحياة جراء الحوادث، وكلفة العلاج للجرحى في المستشفيات، وتصليح أعطال السيارات جراء الاصطدام المروري. ففي رسالة دكتوراه أُنجزت في العام 2021 في جامعة القديس يوسف في لبنان، بالتعاون مع جامعة باريس 3 (تعتمد على أرقام 2019)، تشير إلى أن كلفة حوادث السير في لبنان تشكل بين 1 و 1.5 بالمئة من الناتج المحلي. وكانت تتراوح في السنوات التي سبقتها ما بين 2.3 و4.8 بالمئة. هذا الرقم يجده مصدر أمني «منطقياً»، إذ يلفت لـ»نداء الوطن أن «غياب النقل المشترك يكلف الناتج القومي 2 مليار دولار سنوياً، وهي نفس خسائر قطاع الكهرباء لكن لا أحد يهتم». معطيات عن حجم الخسائر ومن المعطيات التي تعطي صورة عن حجم الخسائر هو مجموع حوادث السير التي سجلتها شركات التأمين (بحسب نقابة شركات التأمين)، خلال العام 2021 والتي بلغت 283170 حادثاً. تمّ التعويض عنها بالليرة اللبنانية ووفقاً لدولار الـ1500. فبلغت كلفة تأمينها 700 مليون و718 ألف ليرة، ومجموع كلفة الحوادث المدفوعة هي 389 مليوناً و483 ألف ليرة. أما الفروقات في الاسعار بين دولار 1500 ودولار السوق السوداء، فتم دفعها من جيوب المتضررين. لذلك يمكن زيادة «أصفار» جديدة على الارقام التي دفعتها شركات التأمين منذ بداية الازمة وحتى العام 2022. يعطي الباحث في مجال النقل في جامعة ليون الفرنسية علي الزين لـ»نداء الوطن»، مزيداً من المعطيات التي تظهر الكلفة المادية الباهظة للحوادث المرورية على مر السنوات، فيقول: «إحدى الدراسات تشير إلى أنه في العام 2000 كانت تشكل الاضرار 1 بالمئة من الناتج المحلي، وفي العام 2016 كانت أضرار هذه الحوادث تشكل 1.5 بالمئة من الناتج المحلي. وفي دراسة أخرى صادرة عن 2010 أشارت إلى أن متوسط كلفة طبابة جرحى الحوادث المرورية في لبنان 600 دولار، وأن 83 منهم كانوا يمكثون في المستشفيات أقل من يوم، و10 بالمئة منهم كانوا يضطرون للمكوث في المستشفيات بين 6 و10 أيام. أي أن الكلفة كانت تبلغ نحو 6000 دولار». يضيف: «تشير الدراسة نفسها إلى أنه في العام 2010، تم دفع 200 مليون دولار كتعويض عن وفيات، و324 مليون دولار لمعالجة الجرحى، و126 مليون دولار لأضرار بالممتلكات بسبب الحوادث. صحيح أن هذه الدراسة ليست حديثة، لكن أرقامها تساعدنا على إفتراض حجم الخسائر التي وقعت قبل الازمة، وبعدها في حال إحتسبنا سعر الدولار وفقاً لسعر السوق السوداء». ويشير إلى أن «دراسة أخرى أنجزت في العام 2016، تُظهر أن إعتماد النقل المشترك سيوفر على اللبنانيين 62 ألف حادث مروري خلال 15 عاماً، وسيمنع موت 4000 ضحية ووقوع 80 ألف إصابة». لبنان الاسوأ عالمياً بحسب التصنيفات العالمية، يُعد لبنان «من بين الاسوأ على مستوى العالم»، من حيث السلامة المرورية وفقاً للبنك الدولي. علماً أنه يُطبَّق حالياً مشروع مدته ست سنوات بقيمة 200 مليون دولار، لإعادة تأهيل الطرق بتمويل من البنك الدولي نفسه ويهدف إلى تقليل الوفيات الناجمة عن حوادث المرور بنسبة 15 في المائة. ومن هذا المبلغ تم تخصيص 2 مليون دولار لدعم أمانة لجنة السلامة المرورية. يرجع الزين أسباب التصنيف السيئ للبنان إلى «الفساد السياسي في كل ما يتعلق بالسلامة المرورية بالخسائر الواقعة نتيجة الحوادث. ليس فقط لجهة تزوير رخص السير، بل المحسوبية في إعطائها وإدخال السيارات المستوردة»، مذكراً «بالحادثة التي أودت بحياة النائب علي الخليل، بسبب عدم الرقابة على السيارات المستعملة المستوردة من الخارج. بالاضافة إلى عدم إلتزام المتعهدين إصلاح الطرقات وفقاً للشروط المطلوبة، بهدف تحقيق أرباح أكثر ولأنهم مطمئنون لغياب المحاسبة (حادثة الفنان جورج الراسي مثال ايضاً). وآخر أوجه هذا الفساد هو إقفال مراكز المعاينة الميكانيكية، ما يعني غياب الصيانة قبل دفع رسوم الميكانيك». يضيف: «المفارقة أن الدولة لا تزال تقبض من المواطن الرسوم، من دون أن تستثمرها في تحسين الطرقات أو صيانة رادارات قياس السرعة مثلاً. ففي لبنان هناك 60 راداراً جزء منها معطل حالياً». وشدد الزين على أن «تقليص عدد الحوادث يكون عبر تخفيف إستعمال السيارات والتنقلات فيها. وإستعمال النقل المشترك والدراجات والمشي، وتعزيز السلامة المرورية عبر صيانة البنى التحتية والطرقات وإشارات السير وتحديد السرعة داخل المدن». ويعتبر أن «ما يحدث في لبنان أننا بدأنا بالعكس. بمعنى أنه تم صرف إعتمادات لتحسين البنى التحتية، من دون العمل على خطة للتحول إلى وسائل النقل المشترك، بل بدأنا بالخطوة الاخيرة. ولهذا فإن فعالية هذا الدعم ستكون محدودة وبمثابة إهدار لـ22 مليون دولار». يختم: «لا أؤيد التصنيف الشامل للبلدان لجهة قياس السلامة المرورية، بل من الأسلم قياس كل معيار بشكل منفصل. صحيح أن لبنان يتقدم بعض الدول في عدد من المعايير، لكنّ هناك دولاً عربية تتفوق على لبنان من حيث عدد القتلى».
الأزمة... خسائر بأوجه متعددة
من جهته يشرح رئيس اليازا انترناسيونال الدكتور زياد عقل لـ»نداء الوطن» أن «الازمة زادت من الخسائر وساهمت في تراجع السلامة المرورية في لبنان وخطرها، من خلال تراجع قدرة اللبنانيين على صيانة المركبات والسيارات، وقدرة الدولة على القيام بواجباتها على الطرقات، لا سيما في ما يتعلق بالانارة والاشارات الضوئية على الطرقات خاصة في بيروت الكبرى. ما يعني أن الخسائر هي بعشرات ملايين الدولارات نتيجة غياب هذه الصيانة».
يضيف: «هناك خسائر مباشرة تصيب السائقين، بسبب الريغارات المفتوحة والتي تُسرق أغطيتها بهدف بيعها لتجار الحديد، والتي تشكل أفخاخاً للسيارات والدراجات والمشاة. علماً أن هناك مشاكل موجودة من قبل مثل واجبات البلديات تجاه السلامة المرورية، ودور هيئة إدارة السير في هذا الموضوع، ولا سيما في منحها إجازات سوق بشكل مخالف للقانون، والمعاينة الميكانيكية المتوقفة حالياً وهي فضيحة».
يرى عقل أن «سلوكيات بعض اللبنانيين في القيادة، تفتقد إلى أهمية التقيد بقواعد القيادة. ومقارنة بالدول المتطورة يتبين لنا ان هناك 20 وفاة لكل 100 ألف شخص في لبنان، بينما هي بين 4 و6 وفيات لكل من 100 ألف شخص».
أسعار المحروقات تخفض عدد الحوادث
من جهته يشرح مصدر أمني لـ»نداء الوطن» أن «إنخفاض عدد حوادث السير، يعود إلى إرتفاع أسعار المحروقات وهجرة الشباب والبطالة، وإجراءات الكورونا والعزل المنزلي وإرتفاع أسعار الكحول». مشدداً على أنه « في لبنان ليس هناك سائق مكتمل القدرات، بل سائقين يتعلمون من أخطائهم، ويدفعون حياتهم كثمن في بعض الاحيان. لأن الحوادث تكون أول خطأ لهم وآخر خطأ، وهذا يكبد لبنان خسارة الربح الفائت نتيجة موت الشباب».
يضيف: «منذ تطبيق قانون السير في العام 2015 تراجعت نسبة الوفيات. لكن الموضوع يحتاج إلى سلسلة متكاملة من الاجراءات والجهود، وليس فقط إلى تدابير قوى الامن الداخلي. في العام 2015 تراجعت نسبة الضحايا من 22 ضحية لكل مئة ألف إلى 18 لكل مئة ألف. وفي العام 2021 سجلت قوى الامن الداخلي 2648 حادث سير، بينما بلغ في العام 2014 نحو 4907 حوادث. وفي العام 2021 بلغ عدد الضحايا 208 والجرحى 3279، بينما سجل العام 2014، 657 ضحية و6463 جريحاً»...
التأمين... خسائر 2022 أقل
على ضفة شركات التأمين يشرح نقيب أصحاب شركات التأمين سعيد ميرزا لـ»نداء الوطن»، أنه «لا توجد أرقام دقيقة حول الكلفة الإقتصادية التي دفعتها شركات التأمين، لتغطية حوادث السير خلال العام 2022. لكنها بالمبدأ أقل من العام 2021 بسبب إرتفاع أسعار المحروقات، والأزمة الاقتصادية التي خفّضت من نسبة تنقل اللبنانيين بسياراتهم الخاصة». شارحاً أن «الازمة وكلفتها دفعت الشركات إلى رفع رسم التأمين الالزامي من 350 ألفاً إلى 400 ألف ليرة، ثم إلى 800 ألف ليرة في تشرين الاول 2022. وكانت التغطية تشمل 750 مليون ليرة أي 500 ألف دولار، أما حالياً فالتغطية هي 7 مليارات ليرة».
يشدد ميرزا على أن «هذا هو الحد الادنى المطلوب لنُكمل، لأن إقبال اللبنانيين على التأمين الشامل على مركباتهم تراجع، بسبب إرتفاع سعره (يتراوح بين 400 و 500 دولار على الاقل). وباتوا يكتفون بالتأمين «ضد الغير» بالإضافة إلى التأمين الالزامي، لأن همهم الاساسي هو دفع تكاليف التأمين الصحي أولاً وليس المركبات».
ويختم: «التغيير طال أيضاً التأمين الصحي، وكثير من اللبنانيين إختاروا الدرجة الثانية، بعد أن كانوا لسنوات يختارون الدرجة الاولى. ونحن كشركات قادرون على تأمين هذه الخدمات طالما نقبض بالدولار الفريش».
أرقام وخسائر
- في الاسبوع الاول من كانون الثاني من العام 2023 سجل 41 حادث سير، كانت نتيجته 9 ضحايا و45 جريحاً.
- في الأشهر الـ32 التي إمتدت من تشرين أول 2019 إلى أيار 2022، شهد لبنان كمعدل وسطي 237 حادثاً شهرياً، مقارنة بـ 373 حادثاً شهرياً في 32 شهراً التي سبقت تشرين الأول 2019.
- بلغ متوسط عدد ضحايا السير خلال الازمة 32 شخصاً شهرياً، مقارنة بـ 43 شخصاً في الشهر قبل الأزمة.
- في العام 2021: بلغ التأمين الالزامي للمركبات مليوناً و780 ألف سيارة، وثلثا عدد هذه السيارات أضيف إليها إما تأمين ضد الغير أو تأمين شامل.
- في العام 2019 لقي أكثر من 1350 شخصاً مصرعهم في حوادث مرورية. وأصيب 13800 شخص إضافي خلال نفس الفترة الزمنية في أكثر من 10000 حادث تم الإبلاغ عنها.
- في العام 2018 بلغ عدد حوادث السير 184244 حادثاً، ويبلغ مجموع السيارات المؤمنة ضد الغير مليوناً و110 آلاف سيارة. منها 444 ألف سيارة أجرت أيضاً تأميناً شاملاً بقيمة 371 مليون ليرة، وعدد الحوادث التي سُجلت هو 235 ألف حادث.
Comments